السادس : الغبار الغليظ \ إلحاق البخار الغليظ ودخان التنباك ونحوه بالغبار الغيظ
السادس : إيصال الغبار الغليظ ((1)) إلى حلقة (4) ، بل وغير الغليظ على
ــــــــــــــــــــــــ
(4) اختلفت الأنظار في مفطريّة الغبار :
فعن جماعة ـ منهم : صاحب الوسائل(3) ـ أ نّه موجب للإفطار ويترتّب
ـــــــــــــــــ
(1) على الأحوط وكذا فى البخار والدخان .
(3) لاحظ الوسائل 10 : 70 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 .
ــ[151]ــ
الأحوط ، سواء كان من الحلال ـ كغبار الدقيق ـ أو الحرام ـ كغبار التراب ونحوه ـ وسواء كان بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه ، أو بإثارة غيره ، بل أو بإثارة الهواء ((1)) مع التمكين منه وعدم تحفّظه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه القضاء والكفّارة إذا كان عن عمد .
ونُسِبَ إلى المشهور القضاء دون الكفّارة .
والقائل بالمفطريّة بين من يقول بها مطلقاً ـ أي غليظاً كان أم خفيفاً ـ كما في الشرائع(2) ، وبين من يقيّده بخصوص الغليظ .
وذهب جماعة ـ كالصدوق والسيّد والشيخ(3) وغيرهم ـ إلى عدم المفطريّة مطلقاً .
وليس في المقام إجماع تعبدّي كاشف عن رأي الإمام (عليه السلام) وإن ادُّعي ذلك ، وإنّما هناك شهرة الفتوى بالمفطريّة حسبما عرفت .
ومحلّ البحث بين الأعلام ما إذا لم يبلغ الغبار من الغلظة حدّاً يصدق عليه أكل التراب أو الطحين إذا كان غبار الدقيق ـ مثلا ـ وإلاّ فهو مشمول لإطلاقات أدلّة الأكل كما هو ظاهر لا ريب فيه .
ولا يخفى أ نّه لو لم يكن في البين نصّ خاصّ على المفطريّة أو عدمها لكان مقتضى الصحيحة المتقدّمة الحاصرة للمفطريّة في الأمور الأربعة عدم الإفطار ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر عدم البأس به .
(2) الشرائع 1 : 217 .
(3) المقنع : 90 ، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3) : 54 ، ولاحظ المبسوط 1 : 271 .
ــ[152]ــ
إذ ليس الغبار بأكل ولا شرب ، فلا بدّ من النظر فيما ورد من النصّ في المقام ، لنخرج على تقدير صحّة الاستدلال به عن مقتضى تلك الصحيحة .
روى الشيخ (قدس سره) بإسناده عن الصفّار ، عن محمد بن عيسى ، عن سليمان بن جعفر (حفص) المروزي ، قال : سمعته يقول : «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو أستنشق متعمّداً أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غـبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فأنّ ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح»(1) .
وهذه الرواية معتبرة سنداً ، إذ الراوي إنّما هو سليمان بن حفص لا سليمان بن جعفر، فإنّه لا وجود له بتاتاً ، على أنّ الراوي عنه هو محمّد بن عيسى بن عبيد، وهو يروي كثيراً عن ابن حفص ، ولا يبعد أنّ الاشتباه نشأ من مشابهة كلمة «حفص» مع «جعفر» في كيفية الكتابة ، وكيفما كان ، فسليمان بن حفص موثّق والرواية معتبرة ، كما أ نّها واضحة الدلالة ، لتضمّنها أنّ الغبار بمثابة الأكل والشرب في مفطريّته للصائم ، بل ترتّب الكفّارة عليه .
غير أ نّه نوقش في الاستدلال بها من وجوه :
أحدها : ما عن صاحب المدارك من المناقشة في سندها تارةً بالإضمار وأُخرى باشتماله على عدّة من المجاهيل، ولأجله حكم عليها بالضعف(2) .
أقول : أمّا الإضمار فغير قادح بعد أن أثبتها مثل الشيخ في كتب الحديث ، ولا سيّما وأنّه ينقلها عن كتاب الصفّار ، لتصريحه في آخر التهذيب بأنّ كلّما يرويه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 69 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1 ، التهذيب 4 : 214 / 621 ، الاستبصار 2 : 94 / 305 .
(2) مدارك الأحكام 6 : 51 ـ 52 .
ــ[153]ــ
فيه من رواية فهي منقولة عن كتاب من بدأ سندها به(1) ، وهل يحتمل أنّ مثل محمّد بن الحسن الصفّار يورد في كتابه ـ الموضوع للأحاديث الشريفة ـ حديثاً عن غير المعصوم (عليه السلام) مضمِراً إيّاه ؟!
وعلى الجملة : إنّ سليمان وإن لم يكن بدرجة زرارة في الجلالة إلاّ أنّ الراوي للرواية هو الصفّار في كتابه ، الذي هو مشهور وعليه العمل والاعتماد كما نصّ عليه الصدوق(2) ، ولا يحتمل أنّ الصفّار يروي عن غير المعصوم (عليه السلام) كما لا يخفى .
وأمّا الاشتمال على المجاهيل فقد اُجيب بأنّ الضعف من هذه الناحية مجبورٌ بعمل الأصحاب ، حيث إنّهم أفتوا على طبقها .
وأنت خبير بما فيه ، إذ ليس المشهور بين الفقهاء الحكم على طبقها من لزوم القضاء والكفّارة ، بل صرّح في الحدائق بأنّ الفقهاء أفتوا بالقضاء فقط دون الكفارة ، وبعضهم أفتى بعدم المفطريّة رأساً(3).
نعم ، ذكر الشيخ في كتبه وكذا صاحب الوسائل أنّ الغبار مفطرٌ(4) ، ولكنّه ليس بمشهور كما عرفت .
وبالجملة : فدعوى الانجبار ممنوعة صغرىً ، مضافاً إلى المنع الكبروي كما هو المعلوم من مسلكنا .
فالأحسن في الجواب أن يُنكَر على صاحب المدارك وجود المجاهيل في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب (شرح المشيخة) 10 : 4 .
(2) لاحظ الفقيه 1 : 3 و (شرح المشيخة) 4 : 20 .
(3) الحدائق 13 : 72 .
(4) لاحظ التهذيب 4 : 214 ، الاستبصار 2 : 95 ، الوسائل 10 : 70 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 .
ــ[154]ــ
السند ، فإنّ طريق الشيخ إلى الصفّار صحيح ، وهو يرويها عن محمّد بن عيسى ابن عبيد ، وهو ـ وإن كان محلّاً للخلاف ـ ليس بمجهول ، بل من المعاريف وثقة على الأظهر وإن استثناه ابن الوليد والصدوق ، إلاّ أنّ ابن نوح وغيره أشكل عليه قائلا : إنّه من يكون مثل محمّد بن عيسى(1) ؟! كما مرّ مراراً .
وكيفما كان ، فلا شكّ في أ نّه من المعاريف وليس مجهولا جزماً ، إنّما المجهول هو سليمان بن حـفص ، حيث لم يوثّق في كتب الرجـال ، فكان على صاحب المدارك أن يناقش من ناحيته فقط ، ولكنّه مع ذلك ثقة على الأظهر ، لوقوعه في أسناد كامل الزيارات ، فالمناقشة في السند ساقطة من أصلها .
هذا وقد ادّعى في الرياض أنّ الرواية مقطوعة(2) .
فإن أراد بالقطع الإضمار ولو على خلاف الاصطلاح فلا مشاحّة فيه ، وإن أراد المصطلح من المقطوعة فلا قطع في السند بوجه كما لا يخفى .
ثانيها : المناقشة في الدلالة نظراً إلى أ نّها اشتملت على اُمور لم يلتزم بها الفقهاء ، من مفطريّة المضمضة والاستنشاق متعمداً وشمّ الرائحة الغليظة ، فتسقط الرواية بذلك عن درجة الاعتبار ، وغاية ما يمكن أن يوجّه به ذلك تقييدُ المضمضة والاستنشاق ـ بقرينة سائر الأخبار وبمناسبة الحكم والموضوع ـ بما إذا أدّى إلى وصول الماء إلى الحلق ، إلاّ أنّ شم الرائحة الغليظة غير قابل لمثل هذا الحمل ، ولا يمكن الالتزام في مثله بالبطلان بوجه ، فلا بدّ من حمل الرواية على التنزّه والاستحباب .
والجواب : إنّ اشتمال الرواية على بعض ما ثبتت فيه إرادة الاستحباب لقرينة قطعيّة خارجيّة لا يسـتوجب رفع اليد عن ظهور غيره في الوجـوب ، فالأمر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ رجال النجاشى : 348 / 939 ، فى ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى .
(2) الرياض 5 : 315 ـ 316 .
ــ[155]ــ
بالكفّارة في هذه الرواية محمولٌ على الاستحباب فيما عدا الغبار من المضمضة ونحوها ، للعلم الخارجي بعدم البطلان كما ذكر ، أمّا فيه فيحمل على ظاهره من الوجوب الكاشف عن البطلان ، ولا مانع من التفكيك في رواية واحدة بعد قيام القرينة .
ثالثها : إنّ هذه الموثّقة معارضة بموثّقة اُخرى دلّت على عدم المفطريّة، فتسقط بالمعارضة ، ويرجع عندئذ إلى ما دلّ على حصر المفطر في الخصال الأربع التي ليس منها الغبار ، أو أنّها تُحمل على الاستحباب .
وهي موثّقة عمرو بن سـعيد عن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه «فقال : جائز لا بأس به» قال : وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه «قال : لا بأس»(1) .
والجواب : أ نّه لا تعارض بين الروايتين إلاّ بنحو الإطلاق والتقييد الممكن فيه الجمع بحمل أحدهما على الآخر ، فإنّ موثّقة سليمان ظاهرة في صورة التعمّد في إيصال الغبار إلى الحلق بقرينة التقييد بالعمد في الصدر ـ أي في المضمضة والاستنشاق ـ الكاشف عن أنّ الكلام ناظر إلى فرض التعمّد إلى هذه الاُمور ، واحتمال التفكيك بينهما وبين الشمّ والغبار المنافي لوحدة السـياق مستبعد ، بل مستبشع جداً كما لا يخفى . وبقرينة فرض الكلام في الكنس الذي هو وسيلة اختياريّة لتعمّد إدخال الغبار في الحلق باعتبار كونه معرضاً لإثارته . وبقرينة إيجاب الكفّارة التي لا تكاد تجتمع مع عدم العمد كما لا يخفى .
فبهذه القرائن يستظهر اختصاص الموثقة بصورة العمد .
وأمّا موثقة عمرو بن سعيد فهي مطلقة من حيث العمد وغيره ، ولو كان ذلك من أجل هبوب الرياح المثيرة للعجاج كما في فصل الربيع . وظهور صدرها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 70 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 2 .
ــ[156]ــ
في العمد ـ لمكان قوله : يتدخّن ... إلخ ، الظاهر في الاختيار ـ لا يستدعي كون الذيل كذلك ، للفصل بينهما بقوله : قال : وسألته ... إلخ . فلا قرينيّة في البين ، كما كان كذلك في الموثقة المتقدّمة .
إذن فيمكن الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد ، فتقيّد هذه الموثّقة بتلك الموثّقة وتُحمل على صورة عدم التعمّد .
وأمّا ما تصدى له صاحب الوسائل من الجمع بين الروايتين بحمل الاُولى على الغبار الغليظ والثانية على الخفيف(1) .
فهو جمع تبرّعي عري عن الشاهد ، إذ كلمة الغبار الواردة فيهما معاً لها ظهور واحد، إمّا في الغليظ أو الخفيف أو الأعم منهما، فالتفرقة بينهما تحكّم بحت.
وما قيل من أنّ الغلظة مستفادة من فرض الكنس المشتمل على الغبار الغليظ غالباً .
غير واضح ، لاختلاف موارد كنس البيوت ، وجداناً فربّ بيت يكنس في كلّ يوم أو يومين فيخفّ غباره ، وربّما يبقى بدون تنظيف أيّاماً عديدة ـ كشهر مثلا ـ فيغلظ ، فليس لهذا ضابط ولا شهادة له على المطلوب بوجه .
والصحيح هو ما عرفت في وجه الجمع من حمل المانعة على العمد والمجوّزة على غيره ، من غير فرق بين الغلظة وغيرها .
ومنه تعرف أ نّه على القول بالبطلان ـ كما هو الصحيح عملا بالموثّقة السليمة عن التعارض حسبما عرفت ـ لا يفرق فيه بين الغليظ والخفيف ـ كما اختاره الماتن ـ عملا بإطلاق النصّ ، إلاّ إذا بلغ من الخفّة والقلّة حدّاً لا يصدق معه عرفاً أ نّه دخل الغبار في حلقه ، فإنّه لا يضرّ حينئذ ، لانصراف النصّ عن مثله ، وأمّا مع فرض الصدق فلا يفرق بين الأمرين كما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 69 ـ 70 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1 ، 2 .
ــ[157]ــ
نعم ، ينبغي أن يقتصر على الغبار الناشئ من الكنس الذي هو مورد الرواية وما هو مثله ممّا فيه إثارة إمّا منه أو من غيره حتّى يصدق أ نّه باختياره دخل في الحلق ، إذ لا يحتمل اختصاص البطلان بصورة مباشرة الصائم للكنس كما هو ظاهر .
وأمّا لو كان بإثارة الهواء كما يتّفق كثيراً في فصل الربيع ولا سيّما في هذه البلاد وأمثالها ـ حيث يكثر فيها العجاج خصوصاً في الصحاري والبراري ـ فالموثّقة قاصرة عن إثبات البطلان في مثل ذلك ، بل الظاهر عدم البطلان كما حكي التصريح به عن كاشف الغطاء(1) .
كيف؟! ولو كان التحفّظ عن مثل ذلك واجباً بحيث كان بتركه متعمّداً مفطراً لكان على الأصحاب التعرّض هل ، بل كان من الواضحات ، لشدّة الابتلاء به ، خصوصاً لسكنة هذه البلاد التي كان يسكنها الأئمّة (عليه السلام) أيضاً ، ولا سيّما في فصل الربيع الذي قد يصادف شهر رمضان ، مع أ نّه لم ترد بذلك ولا رواية ضعيفة ، ولم يتعرّض له أحدٌ من الأصحاب .
وعلى الجملة : فمضافاً إلى أنّ الرواية المتقدّمة في نفسها قاصرة ، نفسُ عدم ورود الرواية بذلك وعدم تعرّض الأصحاب مع كثرة الابتلاء دليلٌ على العدم ، ولذلك ترى أنّ كاشف الغطاء أفتى بعدم البطلان فيما كان الغبار الداخل في الحلق بإثارة الهواء وأ نّه لا يجب التحفّظ عن ذلك كما تقدّم .
فما في المتن من تعميم الحكم لذلك ـ حيث قال : بل أو بإثارة الهواء مع التمكّن منه وعدم تحفّظه... إلخ ـ غير ظاهر.
نعم ، لا فرق في الغبار بين الحلال ـ كالدقيق ـ أو الحرام ـ كالتراب ـ فإنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كشف الغطاء : 319 .
ــ[158]ــ
والأقوى إلحاق البخار الغليظ ودخان التَنباك ونحوه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذكور في الرواية وإن كان هو غبار الكنس الظاهر في التراب إلاّ أنّ المفهوم عرفاً بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع عدم الفرق بين الأمرين كما لا يخفى .
(1) كما حكي ذلك عن جماعة من المتأخرين .
ومستند الإلحاق : أمّا في البخار فهو مشاركته مع الغبار في مناط المفطريّة ، إذ كما أنّ الغبار أجزاء دقيقة منتشرة في الهواء حاملة لشيء من التراب تدخل جوف الإنسان يصدق معها الأكل ، فكذلك البخار أجزاء دقيقة مائيّة منتشرة في الهواء تدخل جوف الإنسان يصدق معها الشرب .
وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أ نّه أشبه شيء بالقياس ، ومن الواضح أنّ ثبوت الحكم في الغبار لم يكن لأجل صدق عنوان الأكل وإن اُلحِق به في النصّ ، إلاّ أ نّه إلحاق تنزيلي حكمي لا حقيقي ، كيف ؟! ولا يصدق الأكل على الغبار ، كما لا يصدق الشرب على البخار عرفاً بالوجدان ، وإنّما ثبت الحكم فيه بالتعبّد المحض للنصّ الخاصّ ، ولم يرد مثل هذا التعـبّد في البخار كي يلحق بالشرب حكماً ، فلا وجه لقياسه على الغبار بتاتاً .
بل يمكن دعوى استقرار سيرة المسلمين على عدم التجنّب عن البخار ، لدخولهم الحمّامات في شهر رمضان ، وعدم التحفّظ من البخار وان كان غليظاً ، وهذه السيرة القطعيّة المستمرّة المتّصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام) ـ بضميمة عدم ردعهم عنها وهي بمرأى منهم ومسمع ، الكاشف عن إمضائهم (عليهم السلام) ـ ، كافية في الحكم بالجواز كما لايخفى .
وأمّا في الدخان : فهو دعوى أ نّه يستفاد من النصّ الوارد في الغبار أنّ كلّما يدخل جوف الإنسان من غير الهواء الذي لا بدّ منه ومنه الدخان يكون مفطراً.
ــ[159]ــ
ولابأس بما يدخل في الحلق غفلةً أو نسياناً أو مع ترك التحفّظ بظنّ عدم الوصول ونحو ذلك(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكنّها ـ كما ترى ـ عريّة عن كلّ شاهد ، إذن لا دليل على البطلان ، بل يمكن إقامة الدليل على العدم ، وهو موثّقة عمرو بن سعيد المتقدّمة(1) حيث قال فيها : ... فتدخل الدخنة في حلقه «فقال : جائز لا بأس به» .
اللّهمّ إلاّ أن يفرّق بينه وبين ما تقدّمه من البخار باستقرار سيرة المتشرّعة على التحرّز عن الدخان من مثل التَنباك والترياك والتتن حال الصوم ، بحيث أصبح البطلان به كالمرتكز في أذهانهم ، بل قد يدّعى بلوغ تناوله من الاستبشاع حدّاً يكاد يُلحقه بمخالفة الضروري .
ولكن التعويل على مثل هذه السيرة والارتكاز مشكل جداً ، لعدم إحراز الاتّصال بزمن المعصومين (عليهم السلام) وجواز الاستناد إلى فتاوى السابقين لو لم يكن محرز العدم كما لا يخفى .
إذن لم يبق لدينا دليل يعتمد عليه في الحكم بالمنع بعد وضوح عدم صدق الأكل ولا الشرب عليه . وعليه ، فمقتضى القاعدة هو الجواز وإن كان الاحتياط بالاجتناب ممّا لا ينبغي تركه ، رعايةً للسيرة المزبورة حسبما عرفت ، والله سبحانه أعلم .
(1) لاعتبار العمد في حصول الإفطار كما سيأتي التعرض له في محلّه إن شاء الله تعالى المنفي في هذه الفروض .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 165 .
هیچ نظری موجود نیست:
ارسال یک نظر